قيادة المثقفين لسفينة النشء – سارة السهيل
تطلعاتنا دائما نحو المستقبل، فهو بجوهره النشء الذي لابد وان يرتكز خلال مراحل تنشئته العقلية والوجدانية على خبرات ثقافية لا يمكن تجاوزها من خلال الدور الذي يقوم به مبدعونا، فهم الاجدر على نقل تجاربهم ومساعدتهم على اكتساب طرق التفكير، والتفكير النقدي وتهذيب المشاعر في سني المراهقة فالمثقفون يقرأون مئات الكتب ويغرفون من مناهل المعرفة، وينقلون لأوطانهم هذه الخبرات.
فدور المثقفين هو نشر المعرفة وتبسيطها؛ تحقيقا لتنمية الوعي الثقافي.
الدورالمهم الذي يقوم به المثقف في انتاج الفكر والابداع، وما يملكه من سلطة قوة ناعمة يقود به المجتمع نحو التغيير ضد المفاهيم المغلوطة والمتوارثة في المجتمع والتي تعوق مثلا تقدمه، وهو الذي يقود المجتمع للتفاعل مع الثقافات والحضارات الاخرى للتلاقح والتطور الفكري في مجتمعه والاخذ بأسباب التطور والتقدم العلمي والتكنولوجي.
والذي يخوض معارك سياسية واجتماعية لتكريس قيم الحب والحرية والعدالة والاخلاق الانسانية الرفيعة، فنراه يشهر سلاح قلمه في وجه الاعمال الفنية الهابطة والماجنة التي تدعو للإسفاف او العنف او التمييز العرقي والديني او الطبقي.
ويسلط الضوء على القوانين المشبوهة التي تعرقل حرية المجتمع او تنتقص من حقوق الانسان او الاتجار بالبشر او استغلال الاطفال.
إن المثقفين يلعبون دور البطولة في الحفاظ على حضارات شعوبهم، ويمثلون الضمير الحي بما يملكون من فكر نابض ومعارف واسعة وقدرة على توصيل افكارهم للآخرين حكاما ومحكومين، فيمثلون صمام الامان لأي مجتمع من خلال قيامهم بنقل ما يجري في العالم من تطورات خطيرة قد تمس أمن أوطانهم، ومن خلال كشف وتحليل ما يحدث بالمجتمع من مشكلات سياسية، اجتماعية، قانونية واقتصادية وتقديم روشتات علاج لأزماتها.
من دلائل دور المثقف في حياتنا العملية واليومية العديد من الاعمال الفنية التي احدثت تغييرا حقيقيا مثل فيلم «أريد حلا» للصحفية حُسن شاه، الذي اعتمد في كتابة سيناريو الفيلم على ملفات قانونية، وزيارات متكررة لقاعات المحاكم وحضور جلساتها ليدرس ويراقب ما يدور فيها. ناقش الفيلم بشكل جاد مشاكل المرأة العربية وحقوقها، مع محاولته إبراز الظروف القمعية التي تعيشها في ظل القوانين الوضعية.
وقد أثار الفيلم جدلًا واسعًا، وتعرض لحملة دعائية وتم تصوير الأمر وكأنه مؤامرة ضد الشريعة، والصحيح هو أن الفيلم انتصار لصحيح الدين قبل أن يخضع للمؤثرات الاجتماعية والتقاليد الموروثة. ونجح الفيلم في النهاية لتغييـر قانون الأحوال الشخصية في مصر.
وقبله فيلم «جعلوني مجرما» عام 1954، المأخوذ عن قصة حقيقة قدمها فريد شوقي عن أحد الأطفال بالإصلاحية، الذي كان شقيق الفنان مأمورا عليها، وعقب عرض هذا الفيلم صدر قانون مصري ينص على الإعفاء من السابقة الأولى في الصحيفة الجنائية، حتى يتمكن المخطئ من بدء حياة جديدة.
وكذلك فيلم «عفوا أيها القانون» الذي استطاع أن يسلط الضوء على قانون العقوبات، الخاص بقضية الزنا حيث يصدر الحكم على المرأة بالسجن 15 عاما مع الشغل والنفاذ، باعتبارها جناية في حالة قتلها لزوجها الخائن، بينما يكون الحكم في نفس القضية على الرجل بالسجن شهراً واحداً مع إيقاف التنفيذ باعتبارها جنحة.
اخيرا فان للمثقف دورا رئيسيا في توعية الناس بمخاطر قضايا العنف والارهاب والتطرف الفكري والطائفي، وتغيير سلوكيات الافراد من التنمر الى الوسطية والتفاهم من خلال عمله على نشر ثقافة التسامح والمواطنة وقبول الآخر في المجتمع.
وتقع مسؤولية كبيرة على الأدباء والمفكرين في إنتاج خطاب ثقافي يحارب التطرف والإرهاب ويفضح أساليبه وخطورته، عبر وسائل العصر من كتب وأعمال مسرحية وسينمائية وسردية تعري الإرهاب والعنف والسلوك المنحرف وتبين مدى خطورته، وتكرس للعلم النافع الذي يبني المجتمع.
واظن ان البداية لابد وان تنطلق من خلال أدب الطفل الذي يشكل العقل والوجدان موادهم التعليمية التي يجب ان تكرس لحب الخير والجمال وحب الاوطان، وتشرب قيم العدالة والحوار والتسامح مع الثقة بالنفس وتنمية القدرات العقلية، التي تنمو في سني المراهقة وتعبر بسلام اذا وجدات حاضنات فكرية تحافظ عليها من الانفلات القيمي والفكري.
فالثقافة الفنية لها تأثير كبير في ترسيخ قيم السلام والضبط الاخلاقي والانفعالي، خاصة اذا بدانا تكريس هذه القيم منذ الطفولة، وتنمية عقل ووجدان الاطفال على نبذ التعصب والقتل.
لاشك ان النشء هم الثروة الحقيقة التي تزخر بها دولنا العربية، هؤلاء اليافعون يتابعون كل مستجدات العصر بنهم، لكنهم بحكم حداثة السن يفتقرون الى غربلة ما يتابعونه ويتبنونه من افكار ومفاهيم، هنا يـأتي دور المثقف الواعي والفاعل في القيام بهذه الغربلة والتنقية لكل الافكار والمعارف التي قد تتضمن هدما لثوابت الدين والأخلاق او هدما للأوطان.