البترا المدينة الجذابة – سارة طالب السهيل
وسط الزخم الذي نعيشه في عالمنا المعاصر من تقنيات تكنولوجية مرعبة، وتعقيد متنام في أنماط الحياة الاجتماعية الحديثة والمعاصرة، فإن الحنين يأخذنا دائماً للماضي البعيد لنسبح فى ذاكرة إنسانية ونتخيل كيف كانت حياة الأقدمين.
وننظر إلى ما خلفوه من تراث حضارة شديد الثراء وقادر دائمًا على إثارة الدهشة في نفوسنا، بفضل ما أنجزوه من معطيات حضارية تشهد بعبقريتهم وإبداعهم، وأكبر نموذج على ذلك مدينة “البترا” الوردية التى تشهد على المعجزة البشرية التي تصنع المدن من بطون الجبال، كما تشهد بعبقرية صانعيها من الأنباط ، ولاغرابة حيال ذلك أن تتحول البتراء إلى مزارسياحي تؤمه الأفواج السياحية من شتى بقاع المعمورة ليمتعوا أعينهم ويعمقوا ثقافتهم بتجليات التاريخ الإنساني الخالد.
والبترا عاصمة الأنباط هي المدينة المنحوتة فى الصخر، واكتشفها حديثاً العالم يوهان لودفيج سنة 1812 . وهي تشكل الآن بؤرة سياحية فى الشرق الأوسط و90% من السياح القادمين للأردن يأتون لمشاهدة هذه المدينة الخلابة التي تبعد عن العاصمة عمان ( 262 ) كيلو مترا إلى الجنوب، وبعض السياح يفضلون أن يقضوا أكثر من ليلة ليروا غروب الشمس وانعكاسات ألوانها على الصخرالأحمر أوالقرمزي اللون الذى يجذب العين ويعيدنا إلى آلاف السنين لنتذكر تاريخ هذه المنطقة ، وكيف كانت معيشة سكانها ، وقد اكتسبت لقب المدينة الوردية من لون جبالها البديع الذي يكسوه اللون الوردي والتي لامثيل لها، وكما جاء على لسان الشاعرالإنجليزي «بيرجن» المدينة الشرقية المذهلة، حيث كانت الأهالي تعتبر قبائل بدوية جاءت من شرق الأردن معتمدة على التجارة والقوافل التجارية، وقد ازدهرت فى القرن الرابع قبل الميلاد، ونحو 400 سنة كانت البترا تعتبر مركزاً تجاريا بين مملكة سبأ وبحر الروم.
وكلمة البترا وفقا للغة اليونانية معناها “الحرة” وبلغت أوج عزها عام ( 9 ) قبل الميلاد إلى (40 ) ميلادي ، أما ملوك الأنباط فكان أولهم حارثة الحارث الأول « 169 ق.م » وآخرهم ربيل الثانى « 70 – 106م » وفى عام 105م قضى الإمبراطور الروماني على وحدة الدولة النبطية في السنة التالية وأصبحت تابعة لدولة الرومان . كان الأنباط يتفاهمون بلغة عربية ، ولكن كتاباتهم كانت بالآرامية ، لأن الأحرف العربية لم تكن موجودة بعد ، فالخط العربي نقل من الآرامي في القرن الثالث للميلاد . وما يلفت النظر أننا لايمكننا الدخول إلى هذه المدينة إلاعبر ممر ضيق يسمى « السيق » ، وكان لهذه المدينة فى الجاهلية أيضًا قيمة دينية.
وكان العالم « دوسوا » أول من وجد كتابة على ضريح امرؤ القيس في حوران، وهي أقدم كتابة بالخط العربي الأول المأخوذ عن أحرف الكتابة النبطية، وكانت العبارة “تي نفس مر ألقيس مر ملك العرب كله ذو أسر التاج” أى «هذا ضريح امريء القيس ملك كل العرب صاحب التاج » ولقد كان امرؤ القيس من الذين لهم معلقات وكان ينتسب إلى قبيلة كندة من قحطان (عرب جنوب الجزيرة ) ومات مسموماً عام 540 م . وكتبت العبارة بماء الذهب وعلقت على الكعبة، ويقال إن معلقة امرؤ القيس كانت أول معلقة تنال الإعجاب وتفوز بالقصبة بسوق عكاظ وبالتالي أول معلقة تعلق على ستائر الكعبة.